قصص

قصه الحيطه الملعونه

دايمًا أسمع إن الحيطان لَها وِدان، إنّما يكون لَها لسان؛ دَه اللي كان جديد عليّا.
كانت أوِّل ليلة في الشَّقة اللي اشتريتها وكُنت مقتول من التَّعب، ولمّا انتهيت من ترتيب الأوضة اللي هَنام فيها؛ قُلت كِفاية كِدَه النهاردة، وعن ترتيب باقي الشَّقة قُلت: الصَّباح رَباح، فمدِّدت على السرير ومكُنتش بفكّر في حاجة غير إنّي أنام، وقَفلت تليفوني لأني كُنت محتاج أرتاح أطول وَقت ممكن.
النوم أخدني، لكن بعد شويّة سمِعت صوت وكأنه خارِج من سمّاعة تليفون، فَتَحت عيني عَشان أشوف الصوت جاي منين، أوّل حاجة بصِّيت عليها كانت تليفوني، كان مقفول، لكن بعد ما ركّزت شويّة لقيت إن الصوت جاي من ورا السرير.
قُمت وأنا بقاوم التَّعب اللي كُنت فيه، فَتحت النور وبدأت أتحرَّك حوالين السِّرير، الصوت كان بيروح وبييجي فجأة، كأن اتنين بيتكلّموا في الأوضة، بدأت أقرَّب من الصوت؛ فالتَقيت نفسي بقرَّب من الحيطة اللي ورا السرير، الصوت كان خارِج منها، زي ما يكون في واحِد بيهدِّد واحد، وبرغم إن الصوت مَكَنش واضح أوي، لكن قدِرت أسمَعه وهو بيقول له:
-هَتموت، هَتموت.
أوِّل حاجة فكّرت فيها إن في حد من الجيران بيتخانِق مع حَد، خرجت من الأوضة على البَلكونة وبدأت أبُص حواليّا، لكن افتَكرت إن العمارة على شقّة واحدة وحواليها المكان فاضي من الأربع جهات، فَمُستحيل يكون في حد من البيوت اللي حواليّا بيتكلّم وصوته واصِلني هِنا.
لكن وأنا واقِف في البَلكونة لقيت الكلام بيتكرَّر تاني، اتأكّدت إن الصوت جاي من الأوضة، دَخلت ولقيت إن في حد بيتكلّم وإن الصوت فعلًا خارج من الحيطة، وفعلًا في حد بيكلّم حد وبيهدّده إنّه هَيموت.
رُحت على تليفوني وفَتَحته، ساعتها لقيت إشعار بمكالمات من خَطيبتي، ورسالة بتقول فيها “لمّا تِفتح تليفونك كلّمني”، اتصَلت عليها ولمّا ردّت عليّا قالت:
-قافِل تليفونك ليه يا “قاسِم”.
-كُنت نايم يا “هدى”.
-نايِم ولا في مكان ومُش عايزني أعرف.
نَفخت من الضِّيق وقُلت:
-مُش هتبطّلي بقى طريقتِك دي، الحكاية كلّها إنّي كُنت عامل لِك مفاجأة.
-وياترى إيه المفاجأة؟
-شوفي يا ستّي، لقيت شقّة لُقطَة سِمسار قال لي عليها، صاحِبها كان عارضها للبيع بسعر ميّت عشان مهاجر ومُش راجِع تاني، لمّا حسَبت الفلوس اللي معايا لقيتها تشتريها وتدفع عمولة السمسرة، خلَّصت فيها وكَتبت العَقد وبدأت أنقِل حاجتي من الشَّقة اللي كُنت ساكِن فيها.
-وهو دَه اللي خلَّاك تقفِل تليفونك؟
-ما هو طول النهار شيل وحَط وبَهدلة، يادوب رتّبت أوضة وقُلت أنام وأكمّل بُكرة.
فجأة الصوت اتكرَّر تاني، انشغلت عن المكالمة وبدأت التِفت حواليّا، فات وَقت طويل مكُنتش سامِع فيه غير الصوت اللي خارج من الحيطان، وصوت “هدى” اللي كانت بتزِن وتقول:
-“قاسِم”، روحت فين يا “قاسِم”.
لمّا الصوت اختَفى انتَبهت للمكالمة وقُلت:
-موجود، هروح فين يعني؟
-أنت مالك غريب النهاردة ليه؟
-مُش غريب ولا حاجة، الشَّقة إن شاء الله هَتعجِبك، هي كانت محتاجة دِهان وجِبت نقّاش وظبَّطها، مَعتقدش هَتحتاج حاجة تاني.
قفَلت المكالمة وحطّيت التليفون، كُنت بفكّر الصوت دَه مُمكن يكون جاي منين، بس بعد وقت انتبَهت على حَركة في الكومودينو اللي جَنب السرير، اتهَز هزّة عنيفة واتحرَّك من مكانه وبقى في مسافة بينه وبين الحيطة، قرَّبت منّه وأنا مُش مستوعب اللي بيحصل، فضِلت مِبحلَق فيه وأنا بحاول أوصَل لتفسير للي حَصل، أصل مُش معقول أنا شايف تهيّؤات، وبعدين أوّل مرّة تصادِفني حاجة زي دي، لكن حسّيت برعشة في جسمي لمّا لقيت الكومودينو اتهَز ولَزَق في الحيطة تاني من نفسه، والهزَّة كانت قويّة لدرجة إن الأدراج كانت هَتُقع في الأرض.
الوقت فات وأنا واقِف مذهول، بدأت أفسَّر اللي شُفته على إنه مُمكن يكون نتيجة الشِّيل والحَط والتَّعب، وافتَكرت إنّي لسَّه عاوز أنام، خلّيت نور الأوضة مَفتوح ومدّدت على السرير، ومَأخدتِش وقت طويل وروحت في النّوم.
لمَّا نمت شُفت نَفسي واقَف ضَهري للحيطة، وإن في إيدين خارجة منها وبتحاول تسحَبني جوّاها، كُنت بقاوم عشان أهرب، لِحَد ما قدِرت أفلِت من الإيدين اللي مَسكاني، وساعِتها قُمت مفزوع من النّوم، كُنت بحاول آخد نَفسي بالعافية، ولمّا بدأت أستوعب أنا فين والرؤية توضَح قدّامي؛ لقيت الكومودينو متحرَّك من مكانه، مُش كِدَه وِبَس، دا السرير كمان كان متحرَّك وكأن حد سَحبه بعيد عن الحيطة!
مَحسِّتش إن السرير اتحرَّك بيّا وأنا نايم، أو يمكِن الإحساس كان متزامِن مع إحساسي بالكابوس فَمقدِرتش أفرَّق، الحكاية بدأت تبقى مُخيفة، قُمت وحسّيت إن رجليّا مُش شيلاني، النهار كان قرَّب يطلع، بصّيت حواليّا وساعتها شُفت حاجة غريبة في الحيطان، الدَّهان اللي مَدهون من كام يوم كان مَنفوخ، زي ما يكون طالِته رطوبة، مسِكت التليفون وطلبت النَّقّاش اللي أكيد ضِحِك عليّا، رنَّة والتّانية لحد ما رد عليّا وقال:
-صباحك فُل يا أستاذ “قاسِم”.
-فين الفُل دَه يا اسطا “علي”، أنا وَثَقت فيك تدهِن الشَّقة تقوم تعمل شُغل أي كلام؟
-إيه الكلام اللي بتقوله ده بَس؟
-زي ما بقول لك، ما هو يا إمّا عملت الشُّغل بدون اهتمام، يا إما اشتريت دهانات رخيصة.
-محصلش كل ده والله.
-لأ حصل ودهان الحيطة مَنفوخ.
-أنا جايب لك أغلى دهانات، مُش هضيّع اسمي عشان أوفّر قرشين، دا حتّى عندك حيطة في الأوضة المحارة بتاعتها تَعبانة وتِعبتني جدًا في الشُّغل، ومرضِتش أزوّد المصنعيّة بتاعتي.
-لو مش مصدّقني هبعت لك صور الحيطة عشان تشوف بنفسك.
-ماشي يا أستاذ “قاسِم” أنا منتظر.
قفلت المكالمة وبصّيت أشوف المناطق المنفوخة عشان أصوَّرها، لكن اتفاجأت إن الحيطة سليمة، وإن كل اللي شُفته مالوش أثر، الوقت فات وبدأت أتجاهل رنّات الأُسطا “علي” اللي كان منتظر الصور عشان يتأكّد من كلامي.
بدأت أكبَّر من اللي بيحصل وقررت أكمِّل ترتيب، أكيد “هدى” النهاردة أو بُكره بالكتير هتقول عايزة تشوف الشّقة، كمّلت تَرتيب وكلّمتها، لكن كُنت حاسِس إني في حالة مُش طبيعية، ويمكِن دَه بان في صوتي لأنّها قالت أوّل ما ردَّت عليّا:
-مال صوتَك يا “قاسِم”؟
-مَفيش يِمكِن من التَّعب، مَتنسيش إنّي بَرتِّب لوحدي.
-طيّب أكلت؟
-أنا شغّلت التلاجة امبارح بالليل، كان فيها شويّة أكل، عملت سندوتش وشويّة وهَشوف حاجة للغدا.
وللمرَّة التانية اللي بنشغل فيها عن المكالمة، لمّا سمعت صوت خارِج من الأوضة بيقول:
-هَتموت.
سِمعت الكلمة دي لمرَّة واحدة بَس، وانتبهت بعدها على صوت “هدى” وهي بتقول:
-يابني مَشغول في إيه ومبتردّش عليّا؟
لقيتني بقفِل معاها المكالمة وأنا بقول لها:
-مَفيش، هخلَّص اللي ورايا وهكلّمك.
دخلت الأوضة واتفاجأت إن السرير والكومودينو رجعوا مكانهم، المسافة اللي كانت بينهم وبين الحيطة مَكَنِتش موجودة، في اللحظة دي بدأت أسيب اللي ورايا وأركّز في اللي بيحصل، أصله شيء غريب، كُنت بسمع دايمًا عن شُقق مَسكونة وبتحصل فيها حاجات أكتر من دي، وبدأت أفكّر إني مُمكن أكون وقعت في شقّه منهم، وافتَكرت إن صاحبها كان عاوز يخلص منها بأي طريقة وبأقل سِعر، قُلت يمكن اللي بيحصل معايا يكون هو نفسه السبب اللي خلَّاه يسيب الشَّقة ويتخلَّص منها، دي لو طلعت مسكونة تبقى كارثة، أنا مَفيش معايا أي فلوس أشتري غيرها، ومش هلاقي حاجة بالسعر دَه، ولو بِعتها هضطر أبيعها بأقل من التَّمن اللي اشتريتها بُه عشان أخلص منها، والفلوس اللي هَتيجي منها مُش هتجيب عِشّة فوق السطوح، وأنا وضعي المادي مَيسمحش إنّي أخسر.
لكن ازّاي الشقة مسكونة؟ أو صاحبها باعها عشان يتخلَّص منها؟ دا السِّمسار مأكّد لي إن صاحبها بايعها عشان مهاجر، وعشان أخلًّص الموضوع بسرعة بعت لي صورة تذكرة السَّفر.
دِماغي بدأت تودّي وتجيب، ومكَنش قدّامي حل غير إنّي أستمر فيها، رتّبت الشقة وزي ما توقّعت، لقيت “هدى” طلبت منّي إنها عايزة تتفرَّج عليها، وفعلًا جبتها وكان معاها أخوها الصغير، شافِت الشَّقة وعجبتها، وقفِت في بلكونة الأوضة وخرجت قعدت أنا وأخوها في الصالة، وشويّة وسمعتها بتصرُخ، ولما جرينا عليها لقيناها واقفة وحاطّة إيدها على وشّها، كأنّها مُش عاوزة تشوف حاجة قدّامها، جِسمها كان بيرتِعش من الخوف وزي ما تكون هَتُقع على الأرض، قرَّبت منها وسألتها:
-مالِك؟ إيه اللي حصل؟
ردَّت عليّا بصوت مَهزوز وقالت:
-الحيطة.
بصّيت لها وأنا بَبلَع ريقي وقُلت:
-مالها الحيطة؟
-زي ما تكون فيها حاجة بتحاول تُخرج، الدّهان بيتنفخ وحسّيت إن في كف إيد وراه.
مكُنتش حابِب أأكّد اللي شافِته، برغم إنّي كُنت عارف إنها مُش بتكذب، اللي حصل معايا من ساعة ما جيت يخلّيني أصدّقها، لكن لقيتني بقول لها:
-ممكن تكون أعصابِك تعباكي أو بيتهيّأ لِك.
أخدتها وخرجنا قعدنا في الصالة، ولمّا بقت كويّسة قالت إنّها هَتروّح، نزلت وصّلتها هي وأخوها ووقَّفت تاكسي وحاسبت عليه، ورجعت الشَّقة من تاني، كُنت مُرتَبِك جدًا وخايف أدخل الأوضة أو أتحرَّك في الشَقة، فكَّرت أتِّصِل بالسِّمسار، رنّيت أكتر من مرّة لحد ما ردَ عليّا وقُلت له:
-مساء الخير يا أستاذ (زين)، أنا “قاسِم”، الزبون اللي اشترى شقة عن طريقك من كام يوم.
-ازيّك يا أستاذ “قاسِم” أأمرني.
-كُنت عاوز بَس أسألك لو تعرف أي معلومات عن الشَّقة اللي اشتريتها.
-معلومات زي إيه يعني؟ كل حاجة مكتوبة في العقد.
-مُش دَه اللي أقصده طبعًا، أنا قصدي لو إن فيها حاجة مُش كويّسة، أو يكون صاحبها اللي باعها قال لك حاجة كِدَه ولا كِدَه.
-كِدَه ولا كِدَه ازّاي مُش فاهِم.
-إنّها مُمكن تكون مسكونة مثلًا.
ساعتها انفَعل عليّا وقال:
-أنت بتهزّر يا أستاذ؟
-اسمَعني كويّس أنا مُش بهزَّر ولا حاجة، أنت تعرف حاجة عن الشَّقة؟
المكالمة اتقَفلِت في وشّي، وأنا دايمًا بفسّر التصرفات اللي زي دي على إنّها هروب، دا غير لهجته اللي اتقلبِت فجأة بمجرّد ما سألته لو يعرف إن الشَّقة مسكونة ولا لأ.
الحكاية بدأت تاخد اتجاه تاني، مبقِتش مصدّق إن حد يبيع شقّة برُخص التراب عشان مهاجر، كان مُمكن يعمل لحد توكيل ويبيعها على مهله ويسافر براحته ويبقى يحوّل له الفلوس مثلًا، إنّما التَّصرُّف اللي حصل ده مكَنش له تفسير غير إنّه بيخلَص منها.
الصوت اللي خرَج من الأوضة خلَّاني أقرَّب منها، كنت بقدّم رِجل وبأخّر التانية، أوّل حاجة عيني جَت عليها كانت الحيطة، واللي كان خارج مِنها صوت واحد بيهدّد حد، وفعلًا لقيت الدّهان مَنفوخ تاني، والمرّة دي حسّيت إن وراه كفوف، زي ما يكون حَد بيزقّها من الناحية التانية، دا غير إن كان فيها حاجة شبه العروق أو فروع الشَّجر بلون الدَّم، كانت بتتحرَّك ومُش ثابتة، بدأت أرجَع بضهري لورا ومكنتش عارف أتصرَّف ازّاي، ملقِتش قدّامي غير إنّي ألحَق ألقُط صورة للحيطة، فتحت تليفوني وصوَّرت، واتفاجأت إن الصورة طبيعية مفيهاش حاجة!
عرِفت إني مش هقدر أثبت لحد إن اللي بشوفه مُش وهم، بَس أنا مش بخرَّف، وبعدين “هدى” كمان شافِت، مكَنش قدّامي غير إنّي أروح مَكتب السَّمسار وأحاول أعرف منّه أي معلومة، أخدت بعضي ووصلت للمكتب، وهناك ملقِتش السِّمسار، كان اللي موجود شريكه، ولمّا سألته عن الشقة قال إنه ميعرفش حاجة عنها، وإن الشغل اللي شريكه بيمسِكه مبيبقاش عارف كل تفاصيله، وعرفت منّه إن شريكه فجأة بلَّغه إنه مسافر البلد يقعد فترة هناك، وده اللي خلَّاني أتأكّد إن الموضوع فيه سِر.
مكَنش في مجال أتكلِّم معاه عن حاجة؛ فأخدت بعضي ورجعت على الشَّقة، ولمّا وصلت قرَّرت أنام في الصالة، بما إن كل الحوارات اللي بتحصل جاية من الأوضة، وبرغم قلقي نِمت علطول، لكن شُفت نفسي في كابوس، كُنت واقِف في الأوضة والحيطة خارج منها إيد كلّها دَم، كانت ماسكة شَخص حاسِس إني أعرفه، لكني مَشوفتش ملامحه لأنّها كانت مَسكاه من وشّه، الشَّخص دَه كان بيصرخ، وبيحاول يفلِت من الإيد لكنّه مقدرش، الإيد كانت بتشوّه وشّه بضوافرها، مُش كِدَه وبَس، دي سَحبته جوّه الحيطة رغم إنّه كان بيعافر عشان يهرب، لكنّه مقدِرش.
صحيت مَفزوع من اللي شُفته، لقيت نفسي رايح ناحية الأوضة، ولمّا شُفت الحيطة لقيت دَم مكان ما شُفت الإيد بتسحب الشَّخص دَه في الكابوس، وفجأة باب الأوضة اتقفل عليّا، قلبي اتنَفض من مكانه، حاولت أفتَحه وأخرُج بس معرفتش، ساعتها اللي شُفته في الكابوس اتكرَّر من تاني، لكن الإيد المرَّة دي كانت بتسحب السِّمسار جوَّه الحيطة بعد ما شوِّهت وشّه.
السِّمسار؟!
لقيتني بسأل نَفسي إيه الحكاية؟ وفجأة لقيت الحيطة اتحوّلت لشاشة عرض وبتعرض مَشهد بشوفه لأوّل مرة، كُنت شايف الأوضة اللي أنا فيها لكن قبل ما تتشطّب، كانت مِتمحَّرة ماعدا الحيطة اللي ورا السرير، كان السِّمسار واقِف وبيتكلّم مع صنايعي المحارة، زي ما يكون بيتخانِق معاه، ولقيت صنايعي المحارة بيقول له:
-أنت كِدَه بتاكل حقّي، أنت بتشطّب الشقة وعاوز توفّر لنفسك وتضحك على صاحبها، بَس مُش على حسابي.
الخِناقة كِبرت ما بينهم، وبمجرّد ما صنايعي المحارة لَف وشّه، السِّمسار شال الكُوريك ونزِل به على راسه لحد ما قَتله.
مكُنتش مستوعب اللي الحيطة بتعرضه قدّامي، زي ما يتكون بتشرح لي اللي حَصل وبتكشِف عن السِّر اللي فيها، لكن لحد دلوقت معرفتِش إيه علاقة اللي حَصل بالحيطة؟
ويادوب سألت نفسي السؤال دَه، ولقيت الحيطة بتعرض مشهد تاني، السمسار كان واقِف قدّام برميل وبيحُط فيه جثّة صنايعي المحارة، والبرميل كان فيه مادة مقدرتش أحدّد هي إيه، لكن الوقت فات وشُفت السمسار بينزّل الكوريك في البرميل، بعدها طلّع الجثّة وهي عبارة عن شويّة عَضم، عرفت إن اللي في البرميل مادة كيميائية أكلِت الجثة، أما شوية العَضم اللي باقيين لقيت السمسار في مشهد تاني الحيطة بتعرضه وهو بيطحنهم، مُش كِدهَ وبس، دا الحيطة عرضت مَشهد تاني وهو بيفتح شكاير أسمنت، وبيخلِطهم بالمايّه وبيحط فيهم العَضم اللي طَحنه ومحَّر الحيطة اللي كانت لسّه مَتمحَّرِتش!
مكُنتش قادر أستوعب اللي شُفته، أو إن حد يداري جريمته بالطريقة المُخيفة دي، لكني كُنت مصدّق اللي الحيطة خلَّتني أشوفه، لأني افتكرت كلام النَّقاش لمّا قال: إن الحيطة محارتها مُش مظبوطة وأخدت منه مجهود كبير، لأن السِّمسار هو اللي محَّرها عشان يداري بواقي جريمته فيها.
آخر مشهد الحيطة عرضته، هي صورة الشَّخص اللي اشتريت منّه الشقة، وإنّه كان بيتلفّت حوالين نفسه وهو مرعوب، وبيحاول يهرب من الأوضة اللي بابها كان مقفول عليه ومش عارف يخرج، ساعتها عرفت ليه حاول يخلص من الشَّقة بالسِّعر ده، وساعتها عرفت إن اللي فكَّرت فيه هو اللي صح، الشقة مسكونة بروح صنايعي المحارة، أو بالتحديد الحيطة اللي في الأوضة.
مكُنتش عارف أثبِت صحّة اللي شُفته ازّاي، يعني لو حكيت لِحَد ممكن يقول إنّي مجنون، بَس أكيد أهل صنايعي المحارة بيدوروا عليه، حاولت أسأل عنّه لكن خُفت لو الموضوع اتكشف حد يتّهمني فيه، مكَنش قدّامي غير إنّي أروح مكتب السَّمسرة، ولمّا لقيت شريك السمسار هناك قُلت أسأله وأعرف منّه أي معلومة؛ فقلت له:
-أنا عاوز صنايعي محارة بس يكون كويّس.
ساعتها رد عليّا وقال:
-والله الصنايعي اللي كنّا بنتعامل معاه سافر فجأة، جَت له زيارة برّه ومشي في نفس اليوم، وخلَّص إجراءات الكّشف والأوراق هناك وعمل إقامة ومن ساعتها مرجِعش.
-مَفيش غيره يعني؟
-اللي يعرف الصنايعية شريكي، أنا أكتر شغلي إداري.
-شريكك هيرجع امتى؟
-أنت بتسأل ليه يا أستاذ، لو في حاجة قول لي أساعدك.
-لا أبدًا، هبقى أرجع لك تاني لو في حاجة.
رجعت الشَّقة، وفات يومين مفيش أي حاجة حصلت، لا صوت خرج من الحيطة، ولا حاجة اتغيّرت فيها، لكن معرفش إيه اللي خلَّاني أروح مكتب السَّمسرة من تاني، ولمّا روحت لقيت ناس قاعدة قدّامه، كان في صوان عزا، وساعتها عرفت إن السِّمسار اللي باع لي الشَّقة اتقَتل في البلد، وإن اللي قتله شوِّه وشّه وهو نايم، لكن لا ساب وراه بصمات ولا أي أثر، وإنهم بيدوروا عليه ومُش لاقيينه، والكل كان بيقول إن حد اختلف معاه على عمولة السمسرة وعمل عملته.
قعدت شويّة في العزا لأن مكَنش ينفع أمشي علطول، وبعد شوية أخدت بَعضي ومشيت، لكن أنا زي ما جالي إحساس إن الشَّقة مسكونة، كُنت متأكّد برضُه إن روح صنايعي المحارة انتقمت لنفسها من السِّمسار، بعد ما الحيطة كشفِت لي الحقيقة، وإنّها نفِّذت تهديدها لما خلَّتني أشوف إيد بتتمد منها وبتسحب السمسار، وفضلِت وراه لِحَد ما قتلِته.
يمكن صاحِب الشَّقة اللي قبلي باعها بالسِّعر ده عشان كان يقدر يشتري غيرها، ويمكن أنا حصل معايا كِدَه عشان مفيش قدّامي غير الشقة دي، أقدار ربّنا بيرتّبها.
الأيام فاتِت واتجوِّزت “هدى” وعِشنا في الشِّقة، كنت عارف إن مفيش أذى هيطولنا، خصوصًا وإننا مالناش ذنب، وبرغم كده من وقت للتاني لمّا كُنّا بنسمع صرخة خارجة من الحيطة، ولمّا كانت بتسألني إن كُنت سِمعت حاجة كُنت دايمًا بقول لها إنّي مَاسمعتِش، وإن هي اللي بيتهيَّأ لها، لكن كُنت عارف إن في صرخة فعلا طالعة من الحيطة اللي اتلعنِت، أصل برغم موت السمسار الغامض واللي أنا عارف مين اللي وراه، مكنتش ناسي إن الحيطة نفسها فيها بواقي جُثة صنايعي مقتول، ولأني مكنتش قادر أجيب شقة غيرها، فمكانش قدامي غير إني أعمل كده في كل مرَّة “هدى” تسألني فيها، عشان الدنيا تمشي!
تمَّت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى